المقال

:: واشكروا نعمة الله ::

2489 | 17-08-2020

واشكروا نعمة الله

أجلُّ النِّعَم دينُ الإسلام الذين لن يقبل الله غيره، فلولا الإسلام لصار الناسُ كالعَجماوَاتِ، لا يعرفون معروفًا، ولا ينكِرون منكَرًا، ولأكَل القويّ الضعيفَ، ولصَبَّ الله العذابَ على الناس من فوقِهِم، وأرسل عليهم العقوبةَ من تحت أرجلهم، ولولا الإسلامُ لما اطمئنَّت الجنوبُ في المضاجع، ولما جفَّت الأعين مِنَ المدامع، ولانحَطَّ الإنسان في منزلة البهائِمِ التي تتسَافد في الطّرُقات.

الإسلام هو المنّةُ العظمَى، وتكاليفُه ما هي إلا تهذيب للنفوس وتدرُّج بالإنسانِ في مصاعِد الكمال، قال الله: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

فاشكر اللهَ على نِعَمه، واستقم على دينِه، فإنَّ قومًا غرَّتهم الحياةُ الدنيا وجرَّأتهم النعَم على المعاصي، فخسِروا الدنيا والآخرة، فاحذَروا الغِيَر، فإنَّ الله قائمٌ على كلِّ نفس بما كسَبَت، ولله سنن، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً.

وإن من فضل الله علينا خلقنا في أحسن تقويم، وكرمنا أعظم تكريم، ومتعنا بالأسماع والأبصار والعقول، وسخر لنا ما في السماوات وما في الأرض، وما في الجو والبر والبحر، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وفضلنا على كثير من خلقه بالفطر الصحيحة، والعقول النقية، والجوارح السليمة، والنعم العظيمة، كل ذلك ليحمل الإنسان الأمانة الغالية، والمسئولية الكبيرة، بأن الله ربه، خالقه ورازقه، لا إله غيره، ولا رب سواه تأمل معي ما ذكره الله لنا من النعم فقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}.

وقال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}.

وقال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ}.

فيا عبد الله نعم الله عليك لا تحصى، ومن أوَّلها حياتك، وكذا جسمك كله فهو من نعم الله

ومن هذه النعم تلك النعمة الجليلة يوم خلقك في بطن أمك؛ يوم براك فصورك وشق سمعك وبصرك، فتبارك الله أحسن الخالقين، يوم تقلبت في ظلمات الأرحام تحت منِّه ولطفه ورحمته، فما أعظم خلقته، وما أدق درايته وقدرته {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}.

جعل في خلقك شواهد وحدانيته، ودلائل ألوهيته وربوبيته، يوم أطعمك ولا مطعم لك سواه، ويوم سقاك ولا يسقي تلك الأحشاء الظامئة أحدٌ سواه.

احمد الله وقف أمام عينك، فسبحان من قذف فيها نور البصر! ولو سلب ذلك النور ما استطاع أحدٌ أن يرده، فهذا الأعمى لا يرى من العالم شيئاً، كيف السماء؟ لا يراها، كيف الجبال؟ لا يراها، كيف البحار؟ لا يراها، والله جعل لك عينين: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ}.

واحمد الله وقف أمام سمعك فلو سلب الله السمع ما استطاعت أطباء الدنيا أن ترده لحظةً واحدةً, تصور أنه ليس لك سمع والناس يتكلمون: لا تدري ماذا يقولون؟ يشيرون لك إشارة، ولا تدري ماذا يقصدون بالإشارة: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

اشكر الله وتوقف أمام نعمة لسانك هذه نعمة، يقول الله تعالى:{أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ*وَلِسَاناً} اللسان نعمة قطعة لحم تتحكم بها كيف شئت, تفصح بها عما في نفسك، وتعبر بها, فلا إله إلا الله ما أعظم خلق الله وما أشد هذه القطعة عليك.

اشكر الله وتذكر نعمة اليدين، ونعمة الأصابع، كما جعل لها مفاصل لكي تستعملها في كل اتجاه، هذه اليد سبحان من خلقها وبراها! سبحان من مدَّها وبسطها! جرت فيها الدماء، وصرفت فيها عروقها من الله فاطر السماء، فإن قبضها الله فلا يستطيع أحدٌ سواه أن يبسطها، ولئن بسطها الله فشلت، لن يستطيع أحدٌ لحظةً أن يقبضها، فسبحانه! لا إله إلا هو فتبارك الله رب العالمين. فهذه كلها من النعم التي يمن الله بها عليك فلا تغفل عنها لحظةً من لحظاتك.

ولا تنس لطف الله الذي ما إن تدخل في فراشك وتنام، حتى تشتغل في خدمتك أجهزة لك من رأسك إلى قدمك، لو تعطل عليك جزء واحد أو جهاز أو عرق أو عظم أو مفصل لتغيرت حياتك, فيا ولي الصالحين أوزعنا أن نشكر نعمتك.

أنت تتقلب على فراشك في العافية، وتنظر إلى زوجتك معافاة وأولادك معافون، آمن في سربك، معك قوت يومك وليلتك وشهرك وسنتك، بل بعضهم معهم قوت سنين، فمن الذي أنعم بها عليك؟ الله عز وجل، تدخل بابك بعد صلاة العشاء، وتجد أن أولادك كلهم في البيت وتغلق عليك الباب، لا تخاف من أحد يغضبك أو يقتلك أو يسرقك وبعد ذلك تدخل البيت وتجد أنه لا ينقصك فيه أي شيء.

اشكر الله واعلم أن من نِعَم الله عليك نعمة المأكَل بإخراجِ أصناف النّباتِ مِن باطن الأرض، وحِفظِه من الآفات، وإمدادِه بأسباب الحياة من الضّوء والماء والهواء وغير ذلك؛ حتّى يعطيَ ثمرَه حبًّا مأكولاً أو فاكهَةً نضيجَة أو بقولاً طريّة نافعة، قال الله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ}، فالحمدُ لله على فضله، والشّكرُ له على جزيلِ منّته أبدًا، وقال تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} فنعم المآكل قد صنفها الله وحلاها، وجملها وشكلها من كل نوع، ثم تأمل كيف يخرجها الله منك بعد أن تأكلها، ويفصل ما ينفعك فيبقيه فيك، ويفصل ما يضرك فيخرجه الله منك، وتأمل لو أن الله حبس فيك هذا الضرر كيف تصنع؟ فسبحان من دبر طعامك داخل جسمك وما أعظم الله حين ينوع لك تلك النعم والفضائل.

ولا تنس يا عبد الله أن من نِعَم الله عليك نعمة الماء بإنزالِه عذبًا فُراتًا على قطَراتٍ بقَدر حاجة العباد حتَّى لا يضرَّهم في معاشهم، ثم حفظه في طبَقَة الأرض ليستخرِجوه وينتفِعوا به وقتَ الحاجَة، قال الله تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ.

ومن نِعَم الله عليك وتستحق منك الشكر نعمة الملابِسِ بما أخرجَه الله للنّاس من أصنافِ اللّباس واختلافِ ألوانِه وتعدُّد منسوجَاتِه من ليِّنٍ رقيق وغليظٍ كثيف وما بين ذلك، يستر به الإنسانُ عورتَه، ويتجمَّل به بين الناسِ، ويدفع به الحرَّ والبرد عن نفسِه، قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ، وقال تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ}.

ومنها نِعمةُ الله عليك في مسكنك الذي تأوي إليه، ويستُرك عن الأعين، ويضُمّ أموالك، وتُريح به بدنك من العَناء، ويدفع عنك عادِيات المنَاخ من الحرِّ والبرد والمطَر، وقد رحِمك الله فلم يجعلك مشرَّدًا بلا مأوى، ولم يجعلك تائِهًا بلا مَسكَن، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِين}.

وأعظمَ منها نِعمة القصورُ الشاهِقة والبيوت الأنيقة والأبنيَة الفَخمة التي أخرَجَها الله في هذا الزّمانِ، وجمَع الله في هذه البيوتِ الماءَ البارد والدافئ والنورَ التّام والاتصالَ السريع والأثاثَ الوثير والتّكييفَ النافع، انظر إلى مجالسنا وصالاتنا وغرف نومنا ومطابخنا في كامل زينتها, فلا يخشَى صاحبُها أن يخرَّ عليه السقفُ من المطر، ولا يخاف أن تزعزِعَه العواصف، وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا.

ومن نِعم الله عليك نعمة المراكِبِ الفارِهة التي تحمِل الأثقالَ مِن بلدٍ إلى بلَد، وتنقل الإنسان إلى مقصدِه وتوصِله إلى غايته فراكِب الطائرة والسيّارة يقطَع في ساعة وساعات معدودة ما كان يقطعُه في أشهر وأيّام فيما مضى، وهو في سَفَره وتنقُّله لا يشعر بالوَحدة، ولا يتعرَّض لوهَج الشّمس، ولا يَلفَحه لهَب الصحراء، ولا يحرِق جَوفَه الجوع والظمأُ، ولا يناله نَصَبٌ ولا تعب، ولا يخاف قاطِعَ طريق، ولا يضرُّه هُطول المطَر، ولا يؤذيه البردُ والحرّ، بل يكون سفرُه تنزُّهًا وتنقُّله تمتّعًا، يَسبِق الريحَ في جَرَيانها، ويخلِّف الطيرَ السابِحَ وراءَه في الفضاء، وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.

فالله أكبر ما أعظم نعم الله - وسبحان من في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي البحر سبيله وفي الجنة رحمته وفي النار عذابه.

أخي الحبيب: يقولُ اللهُ تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.

هذا المثلُ ضربَهُ اللهُ لكلِ من جحدَ نعمةَ اللهِ ورد معروفَ الله ، فإن كثيرا من الناسِ ينعمُ اللهُ عليهم بنعمٍ ظاهرةٍ وباطنة فيكفرونَها، ويردُونها، ويجحدونَها فيسلِبُها سبحانه وتعالى منهم، ثم ينكِلُ بهم جزاءَ ما جحدوا من المعروفِ وانكروا من الجميل.

كثيرُ من الناسِ يمنحُهم اللهُ الشبابَ فيفسدونَ ويستغلونَه فيما يبعدُهم من الله عز وجل فيسلبَ اللهُ الشبابَ منهم.

وكثيرٌ منهم يرزُقهم اللهُ الصحةَ في الأجسام فلا يرون اللهَ عز وجل ثمرةَ هذه الصحةَ والعافيةَ فيأخذُهم اللهُ عز وجل بهذا.

وكثيرٌ يمنحُهم اللهُ الأموالَ فلا يؤدونَ حق اللهَ في الأموال بل يجعلونَها سلما إلى المعاصي، وسببا إلى المناكرِ فيأخذُهم اللهُ عز وجل ويحاسبُهم بأموالِهم.

فاللهُ يقول: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آياتِنا، هذا الرجل منحهُ اللهُ عز وجل نعمةَ العلم والفقه، ولكنَه ما أستغلَها في ما يقربُه من اللهِ عز وجل، بل نسيَ حق اللهِ ثم عصاه وقدم حظوظ نفسه فكان كلبا يلهث لا ينقطع لهثانه عن دنياه فكانت نهايته إلى البوار, وما أكثر الكلاب اللاهثة وراء حظوظها التاركة لأوامر ربها فرحماك اللهم من هذا التكلب واللهثان وراء حظوظ النفس وترك أمر الله.

وممّا قصَّ الله علينا مِنَ الأمم الماضية قولُه تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ، فتجرّعوا كؤوسَ النّدَم، وفرّقهم الله عزّ وجلّ في البلادِ، وذاقوا وبالَ أمرِهم، وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ}.

نعوذ باللهِ من زوالِ نعمته وتحوُّلِ عافيته وفجأَةِ نِقمتِه وجميع سخطه، ولقَد كان سلَف الأمّة رضي الله عنهم يَوجَلون ويخافون ممّا فُتِح عليهم من الدّنيا خشيةَ أن تكونَ طيِّباتٍ عُجِّلت وحسَناتٍ قدِّمت مع أنَّ الله تعالى شهِد لهم في كتابِه وأثنى عليهم رسولُه في سنّتِه، وكانوا يجتَهِدون في العبادةِ والطاعة، ولا يركَنون إلى زهرةِ الدّنيا، ولا يغترّون بزُخرُفِها، فقد قال عُتبة بن غَزوان رضي الله عنه فقال: (ولقد رأيتُني سابِعَ سبعةٍ مع رسول الله ، ما لنا طعَام إلاّ ورَق الشّجَر حتى قرِحَت أشداقنا، فالتقطتُ بُردةً فشقَقتُها بيني وبين سعد بن أبي وقّاص، فاتَّزَرتُ بنِصفِها، واتَّزَر سعد بنِصفِها الآخر، فما أصبَحَ اليومَ منّا أحدٌ إلاّ أصبح أميرًا على مِصرٍ من الأمصار، وإني أعوذ بالله أن أكونَ في نفسي عظيمًا وعند الله صغيرًا)

فاقتدوا بهم ـ يا عباد الله ـ في السّرّاءِ والضّراء والثباتِ والاستقامة؛ لتُحشَروا معهم وتفوزوا بحُسن العاقبة، قال الله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ

إن النظر في نعم الله يوجب علينا:

1. التأمل دائما في نعم الله والتفكر فيها واستشعار هذه النعم والحديث بها في مجالس الناس وتذكيرهم بفضل الله تعالى ونعمه والآئه ورحمته ولطفه حتى يحدث ذلك تغير في حياة الناس بمعرفة هذه النعم والآء.

2. حب الله تعالى لما يغذونا به من النعم والفضائل فإن حب الله إذا وقر في القلب زاد الإيمان وأوجب العمل.

3. الحياء من المنعم سبحانه أن يراك على معصيته أو أن تستغل هذه النعمة في معصية الله تعالى.

4. شكر الله على ما أنعم به وتفضل وشكر الله يكون بالقلب بالاعتراف بالجميل وباللسان بأن تنطق بلسانك كل ما يقربك من الله وبالجوارح بالعمل بالطاعات وترك المنهيات {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم}.


التعليقات : 0 تعليق

إضافة تعليق


 

/500

روابط ذات صلة

المقال السابق
المقالات المتشابهة المقال التالي