كوني مثل خديجة بنت خويلد
رضي الله عنها
قال الذهبي في السير: "ومناقبها جمة, وهي ممن كمل من النساء
كانت عاقلة جليلة دينة مصونة كريمة من أهل الجنة, وكان النبي صلى الله عليه وسلم
يثني عليها, ويفضلها على سائر أمهات المؤمنين, ويبالغ في تعظيمها".
قلت وإليك ما قالته
عائشة رضي الله عنها عن بدء الوحي وما دور خديجة رضي الله عنها في ذلك: قال
البخاري: حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن
الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: «أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه
وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح,
ثم حبب إليه الخلاء, وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات
العدد قبل أن ينزع إلى أهله, ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها, حتى
جاءه الحق وهو في غار حراء, فجاءه الملك فقال :اقرأ قال:( ما أنا بقارئ) . قال:
"فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني" فقال : اقرأ, قلت : ما أنا
بقارىء فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ, فقلت : ما
أنا بقارىء, فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني. فقال { اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم
}). فرجع بها رسول الله
صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده, فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها, فقال: (زملوني
زملوني). فزملوه حتى ذهب عنه الروع, فقال لخديجة وأخبرها الخبر: ( لقد خشيت على
نفسي ) . فقالت خديجة : كلا والله ما يخزيك الله أبداً,إنك لتصل الرحم, وتحمل
الكل, وتكسب المعدوم, وتقري الضيف, وتعين على نوائب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت
به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة, وكان امرءاً تنصر في الجاهلية,
وكان يكتب الكتاب العبراني, فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب,
وكان شيخاً كبيراً قد عمي, فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك . فقال له
ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى,
فقاله له ورقة: هذا الناموس الذي نزله الله على موسى يا ليتني فيها جذع, ليتني
أكون حياً إذ يخرجك قومك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أومخرجي هم ؟!) .
قال: نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي, وإن يدركني يومك أنصرك نصرا
مؤزرا . ثم لم ينشب ورقة أن توفي, وفتر الوحي».
وإليك بعض صفاتها يا من يتمنى المرأة المبدعة المتميزة, وإليك أختي
المسلمة القدوة الصالحة التي ترغبين أن تأتسي بها, خذي هذه الصفات العظيمة من هذه
المرأة العظيمة:
1. العقل:
§
في
حديث عائشة السابق ظهر لك عقلها عندما أخبرها الخبر فلم تخوفه بل بشّرته وهدّأت من
روعه ولم تربكه, وما صاحت ولا ناحت ولا
هولت الأمر, بل بشرت وهدأت ورفعت المعنويات.
§
أراحته
حين جهد, وبذلت له أسباب الراحة و الاطمئنان.
§
صبرت
عليه وعلى تحنثه وغيابه الأيام؛ لأنها رأت في ذلك مناهُ ورضاهُ فقد أحبته من كل
قلبها, وهذا أساس السعادة الأسرية, فقدمت له التضحيات وصبرت على ما يحصل له
الليالي ذوات العدد, وصدق الله حيث يقول:
﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ﴾.
§
أنفقت
عليه من مالها وكان يتزود من مالها, وهي تعطيه بنفس راضية وسخاء لا يعرف له مثيل
من زوجة لزوجها, ما حسدته ولا ألحقت ذلك
الإنفاق - الذي لا يشق له غبار وليس له مثيل - منّا ولا أذى.
§
ربطت
بين القضايا القدرية والسنن الكونية وما حصل له, وهذا عين العقل, فإن من السنن
الكونية: أنّ مَن اتصف بمثل هذه المكارم استحق المثوبة, فقالت: "كلا والله ما
يخزيك الله أبداً, إنك لتصل الرحم, وتحمل الكل, وتكسب المعدوم, وتقري الضيف, وتعين
على نوائب الحق", فإن الله لا يخيبه فالله حكم عدل هلك المرتابون.
§
استشارتها
لصاحب العلم والعقل "ورقة بن نوفل" دليل على رجاحة عقلها.
§
عن
خديجة أنها قالت يا ابن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك إذا جاءك فلما جاءه قال يا
خديجة هذا جبريل فقالت اقعد على فخذي ففعل فقالت هل تراه قال نعم قالت فتحول إلى
الفخذ اليسرى ففعل قالت هل تراه قال نعم فألقت خمارها وحسرت عن صدرها فقالت هل
تراه قال لا قالت أبشر فإنه والله ملك وليس بشيطان.
§
وعن هشام
بن عروة عن أبيه قال حدثني جار لخديجة بنت خويلد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم
وهو يقول لخديجة: أي خديجة والله لا أعبد اللات والعزى, والله لا اعبد أبدا, قال:
فتقول: خديجة خلّ اللّات, خلّ العزّى, قال: "كانت صنمهم التي كانوا يعبدون ثم
يضطجعون".
2. صبرها مع زوجها:
§
في شعب أبي طالب وهي الأنثى الضعيفة ولكنها
الهمة العالية والإيمان الذي خالط بشاشته القلوب فتمكن منها, فما ألذ الصبر وهي
بجانب الحبيب صلى الله عليه وسلم.
§
فيما
حصل له من عنت وإيذاء الكفار ومواساتها له فقد عاشت معه أحرج أوقات الدعوة,
وأصعبها, ثم ودعته ولما تينع له ولها الحياة, ولكن جزاءها عند الله.
§
قال
ابن إسحاق تتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلاك أبي طالب,
وخديجة, وكانت خديجة وزيرة صدق وهي أقرب إلى قصي من النبي صلى الله عليه وسلم
برجل.
3. كانت جليلة مصونة:
§
كانت
في الجاهلية تسمى الطاهرة ولها مكانتها عند قومها, وتسابقها الخطاب, ولكنها أبت
حتى وجدت صاحب الجلالة الحقيقية صلى الله عليه وسلم.
§
موقفها
من الوحي صور أخرى للجلالة, ومن صور جلالتها سلام ربها عليها, وسلام جبريل عليه
السلام عليها.
4. كانت ديِّنة:
§
أول
من أسلم واتبع محمداً صلى الله عليه وسلم في هذه الدنيا.
§ كانت تتعبد لله معه, فقد روي عن إسماعيل بن إياس بن عفيف الكندي عن
أبيه عن جده قال : "كنت امرأ تاجرا فقدمت الحج فأتيت العباس بن عبد المطلب
لابتاع منه بعض التجارة, وكان امرأ تاجرا فوالله إني لعنده بمنى, إذ خرج رجل من
خباء قريب منه, فنظر إلى الشمس فلما رآها مالت, يعنى قام يصلي, قال: ثم خرجت امرأة
من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل فقامت خلفه تصلي, ثم خرج غلام حين راهق
الحلم من ذلك الخباء فقام معه يصلي, قال فقلت للعباس: من هذا يا عباس؟, قال هذا
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن أخي, قال فقلت: من هذه المرأة؟ قال: هذه امرأته
خديجة ابنة خويلد, قال قلت: من هذا الفتى؟, قال: هذا علي بن أبى طالب ابن عمه, قال
فقلت: فما هذا الذي يصنع قال يصلي, وهو يزعم أنه نبي, ولم يتبعه على أمره إلا
امرأته, وابن عمه, هذا الفتى, وهو يزعم أنه سيفتح عليه كنوز كسرى وقيصر, قال: فكان
عفيف وهو ابن عم الأشعث بن قيس يقول, - وأسلم بعد ذلك فحسن إسلامه-: لو كان الله
رزقني الإسلام يومئذ فأكون ثالثا مع علي بن أبى طالب رضي الله عنه" رواه أحمد
في المسند.
5. كانت كريمة على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم:
§
قال
الذهبي: لها ومن كرامتها عليه صلى الله
عليه وسلم أنها لم يتزوج امرأة قبلها, وجاءه منها عدة أولاد, ولم يتزوج عليها قط,
ولا تسرى إلى أن قضت نحبها, فوجد لفقدها؛ فإنها كانت نعم القرين, وكانت تنفق عليه
من مالها, ويتجر هو صلى الله عليه وسلم لها.
§
عن أبي زرعة سمع أبا هريرة يقول "أتى جبريل النبي صلى
الله عليه وسلم فقال هذه خديجة أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي
أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا
نصب" متفق على صحته.
§
عن
عبد الله بن جعفر سمعت عليا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )خير نسائها خديجة بنت
خويلد وخير نسائها مريم بنت عمران) متفق عليه.
§ روى الترمذي عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (حسبك من نساء العالمين مريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد
وآسية امرأة فرعون) قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح.
§ عن ابن عباس قال : "خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض
أربعة خطوط, قال: تدرون ما هذا؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم, فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : (أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية
بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم ابنة عمران رضي الله عنهن أجمعين) رواه
أحمد وقال الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح.
6. حب النبي صلى الله عليه وسلم
لها: وهذا هو الحب الحقيقي بعد سنوات طوال من وفاتها, ولا زال يهدي
عنها ويذكرها ويتصدق عنها وتغتار عائشة رضي الله عنها منها "فهذا حقيقة
الحب".
§
عن
عائشة رضي الله عنها قالت: "ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة
هلكت قبل أن يتزوجني لما كنت أسمعه يذكرها, وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب, وإن
كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن" متفق عليه.
§
عن
عائشة رضي الله عنها قالت : استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه
وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك فقال (اللهم هالة) قالت: فغرت, فقلت: ما تذكر
من عجوز من عجائز قريش, حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيرا
منها" متفق عليه.
§
عن
عائشة قالت: "ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا على خديجة وإني
لم أدركها, قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول أرسلوا
بها إلى أصدقاء خديجة, قالت فأغضبته يوما, فقلت خديجة؟, فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (إني قد رزقت حبها) رواه مسلم.
§
عن
عائشة قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال
وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص, قالت فلما رآها
رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال: (إن رأيتم أن تطلقوا لها
أسيرها وتردوا عليها الذي لها), فقالوا نعم, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخذ عليه أو وعده أن يخلي سبيل زينب إليه وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد
بن حارثة ورجلا من الأنصار فقال "كونا ببطن يأجج (موضع على ثمانية أميال من
مكة) حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها" رواه أبو داود وحسنه
الألباني.
§
عن
أنس بن مالك قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بشيء قال : ( اذهبوا به
الى فلانة فإنها كانت صديقة خديجة) رواه ابن حبان
§
عن
عائشة قالت : جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم و هو عندي فقال لها رسول
الله صلى الله عليه وسلم : من أنت ؟ قالت : أنا جثامة المزنية فقال: بل أنت حسانة
المزنية كيف أنتم؟ كيف حالكم ؟ كيف كنتم بعدنا ؟ قالت : بخير بأبي أنت و أمي يا
رسول الله, فلما خرجت . قلت : يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟
فقال: إنها كانت تأتينا زمن خديجة وإن حسن العهد من الإيمان "رواه الحاكم
وصححه ووافقه الذهبي.
§
عن
عبد الله البهي قال قالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة لم
يكد يسأم من ثناء عليها واستغفار لها فذكرها يوما فحملتني الغيرة, فقلت لقد عوضك
الله من كبيرة السن قال فرأيته غضب غضبا أسقطت في خلدي وقلت في نفسي اللهم إن
أذهبت غضب رسولك عني لم أعد أذكرها بسوء فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما
لقيت قال كيف قلت والله لقد آمنت بي إذ
كذبني الناس وآوتني إذ رفضني الناس ورزقت منها الولد وحرمتموه مني قالت فغدا وراح
علي بها شهرا.
المقال السابق
| المقالات المتشابهة | المقال التالي
|