المقال

:: صور عظمة الدين ::

1101 | 17-08-2020

صور عظمة الدين

من صور عظمة هذا الدين التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة قامت بها الأرض والسماوات، وخلقت لأجلها جميع المخلوقات، وبها أرسل الله تعالى رسله، وأنزل كتبه، وشرع شرائعه، ولأجلها نصبت الموازين، ووضعت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وبها انقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار والأبرار والفجار، فهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب، وهي الحق الذي خلقت له الخليقة، وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب، وعليها يقع الثواب والعقاب، وعليها نصبت القبلة، وعليها أسست الملة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وهي حق الله على جميع العباد، فهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وعنها يسأل الأولون والآخرون، فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟

دكدكت الدنيا من أجل هذه الكلمة خمس مرات، بالطوفان، والصاعقة، والصرصر، والزلزال، والخسف، لتستقر هذه الكلمة في قلوب الموحدين إنها كلمة عظيمة هي منهج كل حياتنا.

ومن صور عظمة هذا الدين أنه دين الله ويكفيك شرفا وفخرا أن ربك الله فهناك من كان ربه الحجر أو الشجر أو الحيوانات أو البشر أو الشياطين أما أنت فربك الله فيا لها من مفخرة لا بعدها مفخرة واسمع ثناء الله على نفسه بنحقيق التوحيد {قُلِ الْحَمْدُ للهِ وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (61) أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ تَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}.

فسبحان الذي تعطف العزّ وقال به، سبحان الذي لبس المجد وتكرم به، سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له، سبحان ذي الفضل والنعم، سبحان ذي المجد والكرم، سبحان ذي الجلال والإكرام - وسبحان الله عددَ ما خلق في السماء، وسبحان الله عددَ ما خلق في الأرض، وسبحان الله عددَ ما بين ذلك، وسبحان الله عددَ ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك

واللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق، وقولك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، والنبيون حق، ومحمد حق.

ومن صور عظمة هذا الدين، أنه مهما اجتمعت عليه سموم الأقلام، وأحقاد الإعلام، والشرق والغرب، وكيد اليهود والنصارى، وسعي المنافقين، فإنه لا يزال قائماً، هذا من أدلة العظمة، ولو لم يُمتحن هذا الدين في الواقع، بمثل هذه الضغوط العظيمة والكيد الجبار، ومكر الليل والنهار، ما ظهر تفوقه، ولا بانت عظمته، والله -عز وجل- من حكمته أنه يقدّر الجولات، بين الحق والباطل، هذه الصراعات، وهذه التدافعات، كر وفر، إقبال وإدبار، امتداد وانحسار، هزيمة وانتصار، إنه تدبير الواحد القهار، مكور الليل على النهار، -سبحانه وتعالى-

ومن صور عظمة هذا الدين أننا لا نعرف في تاريخ الإسلام أبداً أن شعباً ، أو حتى فرداً دخل في الإسلام بالقسر والإكراه ، وفي النص القرآني الكريم يقول الله تعالى: ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) فلم يُكرَه أحدٌ على الدخول في الإسلام ، بل إن من مُسلمات الدين أنه لو دخل أحدٌ في الإسلام بواسطة الضغط والإكراه فإن إسلامه لا يكون صحيحاً عند الله ؛ لأنه حينئذٍ مُكرَه ، والمكره لا تتعلق به الأحكام الشرعية ، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

وهذه قضية لا توجد في تاريخ الأمم الأخرى؛ ففي أسبانيا لما سقطت في يد النصارى أقاموا محاكم التفتيش للمسلمين، ووجدت ظاهرة ( العرب المورسكيين) الذين كانوا يضطرون إلى تغيير دينهم من باب الخوف، وتغيير أسمائهم، ويستخْفون ويتعرضون لألوان من المصادرة والقتل والسجن ، بينما في التاريخ الإسلامي كله لم توجد مثل هذه الظاهرة، وهذه قضية مهمة جداً تحسب لعظمة هذا الدين وعدالته ومناسبته للشعوب كلها.

ومن صور عظمة هذا الدين وقوة هذا الإسلام إنما تتجسد وتظهر في كونه ديناً ربانياً، والذي شرعه هو الله الذي لا إله إلا هو، فلا تعتريه جوانب نقص، ولا تزعزعه الأهواء والرغبات؛ لأن الذي أنزله منزه عن النقص، والذي شرع أحكامه لا يراعي جانباً على حساب جانب، وإنما يحكم بعلم وبقدرة، وبإرادة تشمل مصلحة هذا الإنسان، ولذا سن له النظام والقانون الذي يصلحه في هذه الدنيا ويصلحه في الدار الآخرة، ولا اختلاف فيه كما هو موجود في الدساتير والأنظمة التي تضعها البشرية لنفسها.

إن من صور عظمة هذا الدين أنه يصاحب العبد في حله وترحاله، فللمقيم أحكام وللمسافر أحكام، للصحيح أحكام وللمريض أحكام، للرجل أحكام وللمرأة أحكام، دين يسع كل أصناف الناس وطبقات العالم، دين يعيش مع المسلم في ليله ونهاره، في السراء والضراء، بل يصحبه وهو حمل في بطن أمه إلى أن يدخل إما إلى الجنة أو إلى النار

ومن صور عظمة هذا الدين هذه الشريعة شريعة خاتمة، ولما كان هذا الكتاب كما قال الله عز وجل: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}، كانت هذه الشريعة العظيمة شريعة صالحة لكل زمان ومكان إن عظمة هذا الدين لا تخفى إلا على من جهل حقيقة الإسلام أو عميت بصيرته عنه أو كان به لوثة من هوى أو حقد مقيت ، وإلا فإن سماحة الإسلام في المعاملة وتيسيره في كل أموره ، ظاهر بأدنى تأمل لمن طلب الحق وسعى إلى بلوغه والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

إن من الميزات العظيمة لهذا الدين، أنه جاء بالتعامل الحسن، والخلق الحسن، وأنه يكفل السعادة للمنتسبين إليه، إنه دين فيه أخذ وعطاء، واجتماع وتعايش، إنه دين قائم على الاحترام وإعطاء الحقوق، إنه يراعي هذه الحالات وما فيها من السماحة والعفو والتوسيع على الناس وعدم التضييق والتشديد والحرج وهذه قضيةٌ غفل عنها كثير من المسلمين فأصبح تعامل بعضهم مع بعض فضاً أجوف غليظاً، حتى أصبح كثير منهم يقطع بعضاً، وكثير منهم يظلم بعضاً، ويهجر بعضاً، ولا يوجد في كثير من الأحيان أخلاق إسلامية في التعامل، فأصبحت الحقوق ضائعة، والعلاقات متقطعة، وصار الواحد همه في حاله وماله وشأنه ولا يهمه الآخرون.

ومن صوره أن المتأمل في عظمة هذا الدين، وجوانب الإعجاز التي تأخذ بالألباب، وتبهر العقول، في كل جوانبه التشريعية والعبادية والسلوكية والأخلاقية والوجدانية، ليدرك بأن هذه الشريعة، وهذا الدين جاء بكل ما يوافق الفطرة، وما يوافق العقول، وقد تحدى علماء الإسلام بأن يأتي أحد على أي حكم أو تشريع من تشريعات الإسلام بالثلب والعيب من جانب مناقضته للعقول والأفهام.

الواجب علينا الثبات على هذا الدين وتعظيم أمره كما عظمه الله في كتابه, وكما عظمه رسوله صلى الله عليه وسلم وكم نحن بحاجة إلى الثبات على دين الله فأصحاب المبادئ لا تستهويهم الأهواء ولا تدغدغ عواطفهم الشبهات ولا تستميلهم الشهوات هم أصحاب مبدأ واحد وهو طاعة الله العظيم واتباع دينه العظيم على منهج كتابه الكريم والاقتداء بنبيه الأمين صلى الله عليه وسلم.

فيا أيها الأخوة لا تستخفنا الأهواء ولا يستخفنا أحد, وقد قال الله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}.

وقال عن قوم فرعون {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ}.

فلو أتى أحدهم ببدعة أو كلمة لا عقل لصاحبها نتنازل مباشرة عن شرع ربنا وعن هذه الملة العظيمة وهذا المبدأ الذي نعيش عليه وسنلقى الله عليه

الثبات على دين الله موضوع مهم وخطير؛ لأنه متعلق بحسن الخاتمة، ومتعلق بالقلوب التي هي الأساس، ولأنه منَّة يمتن الله بها على من يشاء من عباده.

يسمع أحدهم فتوى من الفتاوى بإباحة بعض صور الربا فيقول فرصة وسأعلقها برقبة الشيخ فلان ما لي دخل ثم يأكل الربا وهو مقتنع بتحريمه ويسول له شيطانه بقوله اختلاف العلماء رحمة – أنتم متشددون - فيقع في المحظور ويتنازل عن شيء من دين الله بدعوى الخلاف فيأكل ويؤكل أولاده الربا وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به متناسيا قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}.

ويسمع بقول شاذ يبيح الموسيقى والطرب فينجرف وراءه لتحقيق نزواته وتلبية شهواته فيقول دعو التزمت هذا هو الفقيه ثم يتعالى الطرب والرقص في بيته وفي سيارته مدعياً التحضر والتأنق ناسياً قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}، وقد فسر الصحابة لهو الحديث أنه الأغاني والمعازف بأنواعها

ويسمع من يتكلم عن الحجاب وغطاء المرأة لوجهها فيقول اسمعوا الفقيه أيها المضيقون على المرأة انظروا الناس المتحضرة ثم قد يطالب زوجته بالخروج في الشوارع كاشفة وجهها أو بلباس فاتن وهذا حرام بإجماع المسلمين وليس فيه خلاف بينهم وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.

يسمع بفتوى غريبة أن إسبال الثياب جائز فيفرح بها ويسبل إزاره فإذا أنكرت عليه قال المسألة فيها خلاف وكأنه لم يسمع بقول النبي صلى الله عليه وسلم ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار

يسمع أحدهم يقول صلاة الجماعة لا داعي تصليها في المسجد فيترك الصلاة في المسجد وقد قال صلى الله عليه وسلم أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر

وهكذا يتنصل هذا الرجل عن دين الله واحدة واحدة فغدا في البيوع وبعد غد في الزكاة وثالثة في رمضان ورابعة عن الحج وخامسة عن الصلاة حتى لا يبقى له من دين الله شيء

فيتتبع رخص العلماء ومن تتبع رخص العلماء تزندق, وقد قال الأوزاعي: "من أخذ بنوادر العلماء خرج عن الإسلام"، ونقل ابن حزم الإجماع على تفسيق متتبع الرخص وصاحبنا كلما لاح له ما يوافق هواه، عمل به من أي مذهب كان، ومن تتبع رخص العلماء، وزلات المجتهدين؛ فقد رق دينه.

فعلى العبد أن يتقي الله تعالى، ويسأل الله تعالى الثبات بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويسعى إلى الحصول على وسائل الثبات، والتي من أهمها أن يعلم أن الأمر كله بيد الله، وأنه ليس بيده شيء، وأنه لم يحصل على الهداية بقوته وحوله، وإنما بحول الله تعالى وقوته، فعليه أن يكثر من سؤال الله تعالى، وعليه أن يكثر من الاستغفار، وعليه أن يعلم أنه ليس بيده شيء إلا أن يوفقه الله تعالى لذلك، كما أن عليه أن يكثر من الأعمال الصالحة، فهي مثل الأشجار التي يغرسها الإنسان في التربة حتى تضمن عدم انتقالها، أو ذهاب الريح بها إلى موضع آخر، فصحبة الأخيار من أهم وسائل الثبات.


التعليقات : 0 تعليق

إضافة تعليق


 

/500

روابط ذات صلة

المقال السابق
المقالات المتشابهة المقال التالي