المقال

:: المنارات السبع في حساب يوم الدين ::

977 | 17-08-2020

المنارات السبع في حساب يوم الدين

(أنه تعالى يطوي السماوات والأرض بيده، ثم يقول: أنا المالك، أنا الجبار، أنا المتكبر، أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ لمن الملك اليوم، لمن الملك اليوم، لمن الملك اليوم، ثم يجيب نفسه لله الواحد القهار) وذلك هو يوم الحساب ويوم الجزاء.

فإذا بعثوا - أي العباد- من قبورهم إلى الموقف، وقاموا فيه ما شاء الله، حفاة عراة، وجاء وقت الحساب الذي يريد الله أن يحاسبهم فيه، أمر بالكتب التي كتبها الكرام الكاتبون، بذكر أعمال الناس فأتوها، فمنهم من يؤتى كتابه بيمينه، فأولئك هم السعداء، ومنهم من يؤتى كتابه بشماله أو وراء ظهره، وهم الأشقياء، فعند ذلك يقرأ كل كتابه؛ وأنشدوا:

مثل وقوفك يوم العرض عرياناً ... ** ... مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا

والنار تلهب من غيظ ومن حنق .. ** .. على العصاة ورب العرش غضبانا

اقرأ كتابك يا عبدي على مهل ... ** ... فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا

لما قرأت ولم تنكر قراءته ... ** ... إقرار من عرف الأشياء عرفانا

نادى الجليل خذوه يا ملائكتي ... ** ... امضوا بعبد عصى للنار عطشانا

المشركون غداً في النار يلتهبوا ... ** ... والمؤمنون بدار الخلد سكانا

فتوهم نفسك - يا أخي- إذا تطايرت الكتب، ونصبت الموازين، وقد نوديت باسمك على رؤوس الخلائق: أين فلان بن فلان؟ هلم إلى العرض على الله - تعالى-، وقد وكلت الملائكة بأخذك، فقربتك إلى الله، لا يمنعها اشتباه الأسماء باسمك واسم أبيك، إذا عرفت أنك المراد بالدعاء، إذ قرع النداء قلبك، فعلمت أنك المطلوب، فارتعدت فرائصك، واضطربت جوارحك، وتغير لونك، وطار قلبك؛ خطى بك الصفوف إلى ربك للعرض عليه والوقوف بين يديه، وقد رفع الخلائق إليك أبصارهم، وأنت في أيديهم وقد طار قلبك واشتد رعبك لعلمك أين يراد بك.

فتوهم نفسك وأنت بين يدي ربك في يدك صحيفة مخبرة بعملك لا تغادر بلية كتمتها، ولا مخبأة خبأتها، وأنت تقرأ فيها ما فيها بلسان كليل، وقلب منكسر، والأهوال محدقة بك من بين يديك ومن خلفك، فكم من بلية قد كنت نسيتها ذكرها، وكم من سيئة قد كنت أخفيتها قد أظهرها وأبداها، وكم من عمل أملك فيه عظيماً، فيا حسرة قلبك ويا أسفك على ما فرطت فيه من طاعة ربك {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} فعلم أنه من أهل الجنة {فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ} وذلك حين يأذن الله فيقرأ كتابه.

وأما صفة المحكمة, وفصل القضاء والحساب في العرصات: فتقوم على سبع منارات:

المنارة الأولى: العدل المطلق: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فلا ظلم: ولا يظلم ربك أحدا ولا أنساب: فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ولا رشوة لتغير صورة الحكم، فالحاكم هو الغني المتعال والكل مفتقر إليه سبحانه: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ولا تهديد ولا ضغوط: فالحاكم هو القوي سبحانه: إن القوة لله جميعا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا.

المنارة الثانية: الشهود: وأما الشهود فهم كثير فلا مكان للإنكار والكذب والمراوغة وأعظمهم شهادة هو الله سبحانه الله جل جلاله ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا والرسل عليهم الصلاة والسلام "يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من أحد. فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، ثم أشهد لكم" والملائكة: إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد و يقول الحسن البصري رحمه الله: (يا ابن آدم بسطت لك صحيفتك ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر، حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا وقد عدل والله من جعلك حسيب نفسك). والجوارح: وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وعن أنس قال: "كنا عند النبي فضحك فقال: هل تدرون مم أضحك؟ قلنا: الله ورسوله أعلم قال: من مخاطبة العبد ربه فيقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ يقول: بلى، فيقول: إني لا أجيز اليوم على نفسي شاهدا إلا مني، فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، والكرام الكاتبين شهودا، قال: فيختم على فيه ويقول لأركانه انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول: بعداً لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضل"، والأرض: يومئذ تحدث أخبارها قرأ رسول الله هذه الآية: يومئذ تحدث أخبارها قال: "أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمةٍ بما عمل على ظهرها أن تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا فهذه أخبارها".

المنارة الثالثة: التسجيل الكامل كما ذكر بعض العلماء: لقوله تعالى: {يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم * فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره}، وتعرض الأعمال عرضا حيا ناطقا، فسيرى المرء عمله وهو يباشره ويا للفضيحة.

اللهم يا ولي الصالحين إنا نسألك ستر الدارين، اللهم إنا نعوذ بك من خزي الدنيا والآخرة، يا رب العالمين.

المنارة الرابعة: المتهم: هو الإنسان الذي خلقه الله بيده، وأسجد له الملائكة، وكرّمه على كثير ممن خلق، سخر الكون له، وأرسل له الرسل، وأنزل له الكتب، وجعل له واعظا من عند نفسه بالفطرة التي فطر الله الناس عليها على معرفته سبحانه وحذره من الشيطان وطاعته ثم يستقبل الإنسان ذلك كله بالسخرية: يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ويجعل من الشيطان ربا يعبده من دون الله: ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون, ويمر بآيات الله الدالة عليه سبحانه معرضا: وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون. يمن الله عليه بالنعم فيزداد طغيانا: كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى. الإنسان الذي إذا أحاطت به الخطوب تذكر ربه وإذا كان في نعمة غفل وكفر وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون

المنارة الخامسة: أرض المحكمة: يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار وللحديث: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد"، "أرض بيضاء لم يسفك عليها دم، ولم يعمل عليها خطيئة".

فهي أرض أخرى غير أرضنا لم تطأها قدم من قبل، ولم تعمل عليها خطيئة، ولم يسفك عليها دم، أرض طاهرة من ذنوب بني آدم وظلمهم، طهر يتناسب مع طهر القضاء.

المنارة السادسة: كيفية الحساب: مشافهة: فكل عبد يعرض على ربه، ويتولى سبحانه حسابه بنفسه للحديث: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله يوم القيامة، ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدم، ثم ينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمره).

والحساب إما أن يكون يسيرا: "يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول: أعملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم، ويقول: أعملت كذا وكذا فيقول: نعم، فيقرره ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم، ثم يعطى صحيفة حسناته".

وأما أن يكون الحساب عسيرا: "ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك، فقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله أليس قد قال الله: فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا؟ فقال رسول الله: إنما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب".

المنارة السابعة: الأشياء التي يحاسب عليها كثيرة ومنها:

- الفرائض من صلاةوزكاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، قال يقول ربنا -جل وعز- لملائكته وهو أعلم انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئا قال انظروا هل لعبدي من تطوع، فإن كان له تطوع قال أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم ", ولك يا عبد الله أن تتخيل صلاتك والتقصير فيها استعجال في الركعات ونقر لها نقر الغراب, وعدم خشوع, وتأخر عن الجماعة, وانشغال بالدنيا وقت الصلاة, وتقصير في تربية الأولاد, ولا يذكر الله فيها إلا قليلا, والتفات وكثرة حركة فبأي وجه تقبل على الله تعالى وهذه صلاتك.

- ومنها الدماء وسفكها بغير حق، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:" أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء"، ضرب فلانا وهو أشر بطر فرحان بإيذاء غيره، واعتباره ذلك انتصارا، ويسفك دم فلان المسلم ويعتبرها رجولة، بل إن بعضهم يربي ولده على الضرب والسفك والقتل، وإذا فعلها الولد قال أحسنت رجال ووافي، وهذه هي التربية الفاشلة.

وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت مشركا أو يقتل مؤمنا متعمدا" والقاتل العمد عذابه شديد وهو الخلود الطويل في نار جهنم، واسمع لهذه الآية حيث جعل الله عليه خمس عقوبات، قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.

- ومنها العمر والمال والجسم والعلم، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم:" لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه".

- ومنها النعم وشكرها: ثم لتسألن يومئذ عن النعيم وللحديث: ((إن أول ما يسأل عنه العبد من النعيم أن يقال: له ألم نصح لك بدنك، ونروك من الماء البارد).

- ومنها الحواس واستعمالها: إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا


التعليقات : 0 تعليق

إضافة تعليق


 

/500

روابط ذات صلة

المقال السابق
المقالات المتشابهة المقال التالي