المقال

:: إذا دخلت الرشوة من الباب خرجت الأمانة من الكوة ::

2390 | 17-08-2020

.

"إذا دخلت الرشوة من الباب خرجت الأمانة من الكوة"

إليك صور من صور جريمة الرشوة في زمننا هذا و التي أصبحت تتنامى بشكل مخيف حتى كادت تتحول إلى ظاهرة تفسد دين الناس وأموالهم وأعراضهم وأنفسهم:

1. أحدهم له زوجة أو بنت معلمة في منطقة نائية، وقدّم رسميا لنقلها إلى مدينته وطرق القنوات الصحيحة لنقلها ففوجيء أن من بعدها ومن هو أقل منها كفاءة ينتقل قريبا من أهله وهي لا زالت لم يؤذن لها في النقل، فحاول واستجدى وطالب كثيراً ولا نتيجة، وإذا بأحدهم يلتقيه ويقول تريد نقلها: ادفع 10000 ريال ولك ألا تدرس إلا في المدرسة التي بجانبكم.

2. شاب تخرج من المرحلة الثانوية بتقدير مناسب أو قريب منه فقدّم يمينا فلم يجد وقدم شمالاً فلم يلاقي، وطرق أبواب الجامعات والمعاهد و الدوائر العسكرية و المدنية و نحوها، ولا حياة لمن تنادي، فأتاه أحدهم فقال: هل تدفع 20000 ريال وأوجد لك وظيفة في المكان الفلاني، فلا يمر إلا أسبوع أو شهر أو نحوه حتى يتقلد هذا العمل و يحتمل ألا يكون كفأ له أو ليس من تخصصه أو أن هناك من هو أولى به منه.

3. كانت له أرض وأراد أن يوثقها بصك أو حجة استحكام وقدّم على الجهات المختصة، ووجد من يعقّد معاملاته ويؤخرها الأشهر أو السنوات، فأقبل إليه أحدهم وقال ادفع للجنة أو الموظف 5000 ريال ويتم إنهاء معاملتك مباشرة فأعطاه وأنهى تلك المعاملة المعقدة والمعلقة.

4. أحدهم فعل قريبه أو ابنه جناية وسجن فيذهب أبوه إلى موظف ويهدي له أو يقدم له خدمة أو أن الأب في محل مرموق ومسئولية كبرى فيقول ذلك الموظف أخدمه الآن ليخدمني إذا احتجت إليه، ويخرج الجاني من السجن ويفلت من العقوبة.

5. في سوق الفاكهة والخضروات يخاف صاحب البضاعة أن يكشف المراقب عيوبها أو الفساد الموجود فيها أو مخالفة نظام الدولة، فيجهز له بعض الصناديق الجيدة فإذا مرّ به رحب به وسلمها إليه، وسكت المراقب على خطئه، وإن لم يفعل تتبعه في كل شيء ليلزمه المرة القادمة بالرشوة.

6. بعض الناس يريد الحصول على العادة أو على الضمان فيجد موظفاً يقول: أنا أنهيها لك مباشرة ولي راتب السنة الأولى، ثم الباقي يأتي إليك.

7. أحدهم جعل عليه شرط جزائي بسبب مخالفة في بناء ونحوه فسمع أن فلاناً تخلص منها برشوة فيتخلص منها بذلك.

8. أحد التجار له بضاعة في الميناء ويريد تخليصها فيجد الموظف قد أخّر المعاملة والتاجر يعلم أن البضاعة إذا تأخرت إلى وقت كذا فرضت عليها الدولة مبلغاً كأجرة للمكان الذي عليه بضاعته فهو بين أمرين أحلاهما مرّ إما أن يدفع الرشوة للموظف ويستخلص بضاعته أو أنه يكون نزيهاً فيدفع الأجرة للميناء فترة تضر به وببضاعته وبالسوق.

9. بعض شركات صناعة العلاج تعرض على الطبيب علاجها وتقدّم له هدية كجوال أو حاسب محمول أو كمية معينة من العلاج من أجل أن يصرف هذا الدواء لمرضاه، وأما إذا لم تعطه الشركة هدية فإنه لا يصرف هذا العلاج من تلك الشركة ولو كان ذلك الدواء أنفع للمريض، وهنا تحاصر الشركة فلا تجد أمامها حلا إلا دفع الرشوة لأولئك الأطباء الذين باعوا أمانتهم.

10. بعض شركات العطور ومواد التجميل تدفع معروضاتها إلى محل من المحلات ومعه تعطي هدية على أي شكل كجوال أو بعض البضائع أو الأجهزة للعامل من أجل أن يسوّق بضاعتها دون غيرها .ويشجع الزبائن لشراء بضاعة هذه الشركة.

11. الدروس الخصوصية من المعلم الذي يدرس الطلاب في المدرسة ثم يفتح لهم درساً خصوصياً في البيت ويرفع من مبلغ الدروس تلك ويدفعها الطالب فيزيده المعلم في الدرجات ويلمح أو يصرح بأسئلة الامتحان وعند التصحيح يجامله كثيراً فهذه الرسوم لتلك الدروس الخصوصية من الرشوة.

12. بعض الطلاب يحضر هدايا أو وجبات إفطار للمعلمين قبل وضع أعمال السنة وقبل تحرير أسئلة الاختبار من أجل أن يسهل المعلم أسئلته.

13. تكون هناك مناقصة وكان الأولى أن ترسو لفلان لأنه يستحقها وهنا تدخل الرشوة لتغير مسارها فيأخذها من لا يستحقها.

14. تخرج لجنة للتثمين في عالم العقار أو الأراضي للتعويض مثلاً فيقال لصاحب المال أعطهم شيئاً ويرفعون الثمن و إلا ستتعب للحصول على ما تريد وسيخفضونه لأدنى حد فيزيدون في ثمن عقاره.

15. مندوبو الشركات يستأجر أرضاً مثلاً ويرفع الإجارة ثم يطلب بعد إغراء صاحب الأرض أن العام الأول من هذه الإجارة له.

16. يكتشفون في بعض المطاعم وساخات وصراصير وأطعمة قد تعفنت ومأكولات لا تصلح كطعام للإنسان بل أحياناً للحيوان أو عمالة غير مؤهلة لطبخ الأطعمة أو عمالة قد تقذرت أجسادها وملابسها بالزيوت ونحوها فيغلق المحل بالشمع الأحمر وهنا يأتي دور الرشوة لفتح المحل وكأن شيئاًَ لم يكن وكأن صحة المسلم لا تهم ذلك الموظف الخائن إنما يهمه ما أدخل في جيبه من الرشوة الحرام.

17. يقبض على مجهولين أو من إقامته غير نظامية وأنت تعلم أن خطرهم على الوطن عظيم وخاصة في جرائم الدعارة أو السرقات أو المخدرات أو الخمور والعرق ونحوها ويبذل المسؤولون والجنود الكثير في القضاء على هذه الظاهرة ثم يأتي أحد من باع أمانته ووطنه وأهل وطنه فيأخذ ممن يدفع له من هؤلاء المجهولين فيطلق سراحهم فلا يمر إلا يوم أو يومان وإذا بالمجهول قد عاد إلى مكانه الأول.

وكل هؤلاء يظنون أنهم على صواب وأنه لا إثم عليهم بينما الإثم على المرتشي فقط والحق أن المرتشي ملعون والراشي ملعون فليتق الله الجميع.

قد يتوهم البعض أن عامة الموظفين على هذه الشاكلة ولم أقصد هذا أبداً بل إن الفئة السيئة التي تتعامل بهذا الشر إنهم إلا شرذمة قليلون لا يساوون شيئاً أمام غالب الموظفين الذين يتسمون بالنزاهة والأمانة والنصح والبعد عن أكل الحرام والرشاوي ونحوها، ولكن هذه الشرذمة بدأت تتسع دائرتها ويكثر عددها وتتجدد طرائقها، وكل إنسان يعلم من أي الفئتين هو.

ولم أقصد بكلامي هذا بلداً دون بلد أو مدينة دون أخرى أو دائرة دون دائرة , إنما هو حديث عن جميع الأمة.

أخي: الرشوة حرام حرمها الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه و سلم، كما يحرم طلب الرّشوة، وبذلها، وقبولها، و يحرم عمل الوسيط بين الرّاشي والمرتشي

فقد حرم الله الرشوة في القرآن في ثلاثة مواضع:

الموضع الأول: في سورة البقرة في قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. فالرشوة من أكل المال بالباطل والمرتشي نائب عن الحاكم فيأكل أموال الناس بالإثم وقد أمنه الحاكم على هذا العمل فيخون أمانته ويبيع ذمته بعرض من الدنيا قليل.

الموضع الثاني: المرتشي منافق متشبه بالمنافقين فقد وصفهم الله بقوله: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ والرشوة سحت يأكله العبد حراماً وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به.

الموضع الثالث: المرتشي متشبه باليهود موافق لطبيعتهم الرذيلة قال تعالى في اليهود: {وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. قال العلامة المناوي في فيض القدير عن الرشوة ما مؤداه: إنما هي خصلة نشأت من اليهود المستحقين للعنة ؛ فإذا سرت إلى أهل الإسلام استحقوا من اللعن ما استحقه اليهود.

وأما من السنة: فأظهر الأحاديث نصا في موضوع الرشوة حديث عبد الله بن عمر عند الخمسة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعنة الله على الراشي والمرتشي".

زاد في رواية: "والرائش"، أي وهو الساعي بينهما يستزيد هذا ويستنقص هذا.

وفي حديث ابن اللتبية، حيث بّوب عليه البخاري فقال: باب هدايا العمال، وساق بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من بني أسد يقال له ابن اللتبية على صدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا لي؛ فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله عليه ثم قال: "ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول: هذا لك وهذا لي؛ فهلا جلس في بيت أبيه وأمه ينتظر أيهدى له أم لا! والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها تيعر"، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه: "ألا هل بلغت؟ ثالثا.

أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أيها الناس من عمل منكم لنا على عمل فكتمنا فيه مخيطا فما فوقه فهو غلّ يأتي به يوم القيامة"، فقام رجل من الأنصار أسود كأني أنظر إليه فقال: يا رسول الله! أقبل عني عملك، قال: "وما ذاك؟" قال: سمعتك تقول كذا وكذا، وقال: "وأنا أقول ذلك؛ من استعملناه على عمل فليأت بقليله وكثيره؛ فما أوتي منه أخذ وما نهى عنه انتهى".

وفي سنن البيهقي عن أبي حميد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هدايا الأمراء غلول".

ومن أبرز ما جاء في أمر العمال والرشوة قصة عبد الله بن رواحة لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهود في خيبر ليخرص عليهم، رواه مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر فيخرص بينه وبين يهود خيبر، فجمعوا له حليا من حلي نسائهم، فقالوا: خذ هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم، فقال عبد الله بن رواحة: يا معشر اليهود والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي، وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم! أما ما عرضتم من الرشوة فإنها سحت وإنا لا نأكلها، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض.

وقد أجمع العلماء على حرمة الرشوة فلا خلاف فيها

وأما آثار السلف:

قال كعب: قرأت في بعض ما أنزل الله تعالى على أنبيائه: الهدية تفقأ عين الحكيم, إذا دخلت الرشوة من الباب خرجت الأمانة من الكوة.

ردّ عمر بن عبد العزيز الهديّة، قيل له: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقبلها، فقال: كانت له هديّةً، وهي لنا رشوة، لأنّه كان يتقرّب إليه لنبوّته لا لولايته، ونحن يتقرّب بها إلينا لولايتنا.

وقال قتادة : الرشوة تسفه الحليم و تعمي عين الحكيم.

قال الشاعر :

إذا أتت الهدية دار قوم تطايرت الأمانة من كواها .

وقال منصور الفقيه :

إذا رشوة من باب بيت تقحمت لتدخل فيه والأمانة فيه.

سعت هربا منه وولت كأنها حليم تنحى عن جوار سفيه.

يقول يوسف بن أسباط: إن الرجل إذا تعبد قال الشيطان لأعوانه انظروا من أين مطعمه؟ فإن كان من مطعم سوء، قال دعوه يتعب نفسه ويجتهد فقد كفاكم نفسه.

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أكل طيباً وعمل في سنة، وأمن الناس بوائقه دخل الجنة "

وللرشوة مضار ومفاسد عظيمة: لا شك أن مضار الرشوة مما أجمع العقلاء عليها؛ سواء على الفرد أو على المجتمع، في العاجل أو في الآجل.

1. يفقد المجتمع الثقة في الحكم فلا يعول أحد على منهج القضاء والتحاكم لأخذ الحق، وعندئذ فلا يكون أمام المظلوم إلا أن ينتقم لنفسه، ولا عند صاحب الحق إلا الاحتيال لأخذ حقه بيده.

2. إعطاء الفرصة والتمكين لكل مبطل ليتمادى في باطله؛ فتسلب الأموال وتنتهك الأعراض وتسفك الدماء بدون أي مبالاة؛ تعويلا على أنه سيعبر على جسر الرشوة دون أن يلقى جزاءه

3. تعطيل الأعمال بغية بذل الرشوة. وبالتالي تكديسها وعدم إنجازها. يترتب عليه كساد العمل في البلد وقلة الإنتاج والمضرة على المجتمع بكامله.

4. ذهاب قيمة هذا الجهاز بكامله أدبيا وخلقيا ورسميا، وقد يؤدي إلى تغيير في الجهاز، ويفشو في الناس أن الرشوة هي السبب فتكون مسبة وعاراً.

5. قد تكون في إجراء تعاقد مع العاملين، فقد يتعاقد مع غير الأكفاء بسبب ما يقدمونه من الرشوة، ويترك الأكفاء لتعففهم وعزة نفوسهم، واعتدادهم بكفاءتهم. وقد يكون في إرساء عطاء لمشروع أو في الإشراف عليه؛ فيتعاطف المرتشي مع الأقل كفاءة وإمكانيات وأسوأ معاملة، وتكون النتيجة على رأس المجتمع، فقد يكون مشروع إسكان أو مدّ جسور فينهار هذا أو ينكسر ذاك، والضحية من المجتمع ولذا قال الفقهاء ما معناه: إذا منع الموظف المستحق للعمل وأتى بمن لا يستحق أثم بالمنع، لأنّه منع الأولى وولّى غيره، فيكون قد خان اللّه ورسوله وجماعة المسلمين.

6. وقد تكون في إبرام صفقة لحاجة البلد؛ فقد يقع التساهل في الصنف أو النقص في المقدار، وقد سمعنا عن صفقة حبوب؛ فلما وصلت بلدها فإذا هي تالفة بالسوس، فهل تشتري دولة لنفسها حبوباً مسوسة أم أن الرشوة هي التي سوستها, فالرشوة تدمر مقدرات البلد وتفسد سلوكيات أهله وتزرع الإحباط وتورث الأنانية وحب الذات وتضر بالأجيال القادمة عافانا الله وإياكم.

7. الرشوة تطرد صاحب التخصص والمتقن والمتفنن والماهر وتحضر صاحب المال و فاسد النية

8. إذا تولى و علم أن توليته عن طريق الرشوة فإنه يظن أن هذا الطريق الأسلم فلا يولي هو أحداً إلا بالرشوة وهنا تتنامى الرشوة و تضرب بأطنابها في كل مكان ثم تحدث عن الفساد الإداري في البلد و لا حرج وقد قال صلى الله عليه و سلم" أيما رجل استعمل رجلا على عشرة أنفس و علم أن في العشرة من هو أفضل منه فقد غش الله ورسوله و جماعة المسلمين" وقال :" ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة وأي غش أعظم من غشهم بالرشوة و الواسطة المحرمة وقال في تولية الأعمال و الوظائف: إنها أمانة و إنها يوم القيامة خزي و ندامة إلا من أخذ بحقها وأدى الذي عليه فيها" و المرتشي لم يؤد الحق الذي عليه فيها فهي خزي وندامة.

9. المرتشي خسران فكما أنه يحقق أطماع الآخرين بالرشوة فلن يستطيع تخليص معاملاته وحقوقه إلا بها، فقد خسر مرتين خسر عندما أكل الرشوة والحرام، وخسر عندما أصبح لا يخلص أعماله إلا بالرشوة.

ومنها ما في الخبر: "إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل الله عمله أربعين يومًا، وأيُّما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به".

10. إن إعراض البشرية عن هدي الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- قد جعل التقدم العلمي يقترن بالمزيد من انتشار الفاحشة، والانحلال الخلقي وإدمان المخدرات وفشو الرشوة, والنهب المنظم، والتزوير والغش.

11. الرشوة تقلب الحق باطلا والباطل حقا حتى يصبح الحصول على الضروريات الحياتية، لا يتهيأ إلا عن طريق الرشوة أو اللصوصية والنهب , ويضعف الحس الاجتماعي حيال هذه المحرمات وحينها يقل الشريف في هذا المجتمع الذي تسوده الفوضى، وشرفه يصبح عقوبة له، ويجعل مصالحه في مهب الريح، وجهاده في غير عدو.

إني أقولها بصراحة إذا لم تهب مؤسسات المجتمع الرسمية والأهلية، وإذا لم يقف الناس في وجهها ويحاربونها ويتعاضدون في مواجهتها فإنها ستنتشر وتضرب بأطنابها حتى نقول بعد سنوات سقى الله عام 1430هـ وما قبله، فما أقل المرتشين فيه ,أما اليوم فلا نعيش إلا بالرشوة ثم ترى الفساد قد ضرب بأطنابه في كل مكان ففسد الرجال والنساء والشباب وحتى يصبح الأصل في الناس هو الرشوة ومن لم يرتش فهو غريب، وهذه مصيبة عافانا الله جميعاً منها.

وهنا مسائل حول الرشوة :

1. الرشوة لإبطال حق أو إحقاق باطل فيرشي ليأكل مال فلان أو أرض فلان بغير حق فالراشي والمرتشي ملعون وقد ذهب العلماء إلى وجوب عزل الموظف الذي يأخذ الرشوة لأنه فاسق وغاش لعمله.

2. بذل الرشوة للحصول على منصب أو دراسة أو عمل فهذا حرام بلا إشكال و الاثنان مستحقان للعنة النبي صلى الله عليه و سلم.

3. الهدية تكون رشوة إذا كانت لموظف لك عنده حاجة أو يحتمل أن يكون لك عنده حاجة فتتزلف إليه بتقديم الهدية فإذا جاءت حاجتك ذكرته بتلك الهدية أو تذكرها فجامل على حساب أمانته.

4. ومنها الهدية لأجل أن يشهد معك فهذا حرام و رشوة.

5. الواسطة فيها تفصيل فإن كانت نفعا محضا لمن تتوسط له فتؤجر عليها لحديث " اشفعوا تؤجروا" وإن كان فيها ضرر بالغير فهذا حرام و ظلم كالتسابق على وظيفة أو مناقصة أو دراسة.

6. إذا توسط لك أحدهم بدون إضرار بالغير فهذا جائز بشرطين:

· لا يطلب لنفسه مالاً مقابل واسطته.

· لا تهدي له هدية بعدما توسط لك لحديث: من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها منه فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا.

وسئل ابن مسعود عن السحت فقال: هو أن تشفع لأخيك شفاعة فيهدي لك هدية فتقبلها. فقال له: أرأيت إن كانت هدية في باطل. فقال: ذلك كفر ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون.

7. قد لا تكون الرشوة مالا و نقودا بل قد تكون منافع كأن يقرضه قرضا وهذا ربا ورشوة أو يقدم له خدمات فهذه رشوة ومنها أحل مشكلتك في دائرتي و تحل لي مشكلتي في دائرتك.

8. كل ما توهمت أنه من الرشوة أو طريق إلى الرشوة فأغلقه وابتعد عنه سداً للذريعة ولئلا تأكل إلا حلالاً واحتياطاً لنفسك.


التعليقات : 0 تعليق

إضافة تعليق


 

/500

روابط ذات صلة

المقال السابق
المقالات المتشابهة المقال التالي