المقال

:: سرطان المال ::

768 | 17-08-2020

سرطان المال

نحن في زمن طغى فيه طلب المال، وصارت الدنيا لدى كثير من الناس أكبر همهم، ومبلغ علمهم، لها يسعون، ومن أجلها يتعادون ويتقاطعون، ولا يبالون في جمع المال من أي طريق أتى المال، فالحرام عندهم ما تعذر عليهم أخذه، والحلال في عرفهم ما تمكنوا من تناوله، وهذا مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أنه يأتي على الناس زمان ما يبالي الرجل من أين أصاب المال من حل أو حرام. رواه النسائي وأصله في البخاري.

اخي الحبيب: عالم اليوم فشا فيه الربا أكلا ومؤاكلة، وبيعا وشراء، حتى قل من يسلم من الوقوع فيه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا، فيأكل ناس أو الناس كلهم، فمن لم يأكل منهم ناله من غباره". رواه أحمد وسنده صحيح.

العقوبة الأولى: يتخبطه الشيطان في الآخرة وقد يتخبطه في الدنيا، قال تعالى : {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}، عن قتادة: تلك علامة أهل الربا يوم القيامة بعثوا بهم خبل من الشيطان

العقوبة الثانية: محق بركة الربا قال: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}.

العقوبة الثالثة: محاربة الله ورسوله ومن يطيق حرب الله ورسوله قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ}، قال ابن كثير من كان مقيما على الربا لا ينزع عنه، كان حقاً على إمام المسلمين أن يستتيبه, فإن نزع وإلا ضرب عنقه، وعن ابن عباس قال: (يقال يوم القيامة لآكل الربا خذ سلاحك للحرب)، وعن قتادة، في قوله: {فأذنوا بحرب من الله ورسوله}، قال: أوعدهم بالقتل كما تسمعون، وجعلهم بهرجاً أين ما لقوا، فإياكم،؟ وما خالط هذه البيوع من الربا، فان الله قد أوسع الحلال وأطابه، ولا تلجئنكم إلى معصية الله فاقة).

العقوبة الرابعة: عدم فلاح آكل الربا وعصيانه لله عز وجل، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

العقوبة الخامسة: أن ماله ينقص وتنقص بركته، قال: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}.

العقوبة السادسة: التشبه باليهود الحاقدين فهم أهل الربا حقاً قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}.

العقوبة السابعة: مسخ أصحابه إما في الدنيا أو في الآخرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفس محمد بيده ليبيتن ناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو فيصبحوا قردة وخنازير باستحلالهم المحارم والقينات وشربهم الخمر وأكلهم الربا ولبسهم الحرير".

العقوبة الثامنة: أنها من السبع الموبقات المهلكات للرجل ودينه في الدنيا والآخرة قالصلى الله عليه وسلم:"اجتنبوا السبع الموبقات". قالوا: يا رسول الله: وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".

العقوبة التاسعة: أن المرابي ملعون على لسان النبي صلى الله عليه وسلم عن عبدالله بن مسعود قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله".

العقوبة العاشرة: العقاب في الدنيا والآخرة للمرابين، (وقال ما ظهر في قوم الربا والزنا الا أحلوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل).

العقوبة الحادية عشرة: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "َتَيْتُ، لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، عَلَى قَوْمٍ بُطُونُهُمْ كَالْبُيُوتِ، فِيهَا الْحَيَّاتُ تُرَى مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ. فَقُلْتُ: مَنْ هؤُلاَءِ يَاجِبْرَائِيلُ؟ قَالَ: هؤُلاَءِ أَكَلَةُ الرِّبَا".

العقوبة الثانية عشرة: الربا فاحشة أشد من الزنى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية ) وعن كعب قال: (لأن أزني ثلاثا وثلاثين زنية أحب إلى من آن آكل درهم ربا يعلم الله أنى أكلته حين أكلته ربا) تنبيه : هذا في درهم ربا واحد , فكيف بمن يأكل الملايين؟!

هذه العقوبات كما في نصوص الكتاب والسنة, أما العقوبات من جهة الواقع :فإليك قليل من كثير من عقوبات الربا :

العقوبة الأولى: ما يحصل في الدول الرأسمالية من شرور ودواهي ونحوها هو نتاج لهذا الربا المقيت فإن تركز المال في أيدي حفنة من المرابين وعلى رأسهم أخوان القردة والخنازير وعبدة الطاغوت بينما يعيش باقي المجتمع في قلق وخوف منهم, مما يورث صراع الطبقات بين أغنياء غنى مطغيا وفقراء فقرا مدقعا ولقد قل التعاطف والتراحم وحلت القسوة في القلوب حتى إن الفقير يموت فيها جوعا ولا يجد من يجود عليه ويسد رمقه وما اللوبي الذي يديره المرابون اليهود في الدول الغربية إلا صورة من صور الاستعمار الحقيقي لتلك البلاد.

العقوبة الثانية: يرفع من مستوى النظرة المادية للحياة ويصبح اللهث وراء المال تعاسة بعد أن تحول إلى عبادة فهذه الدول الرأسمالية تعبد الاقتصاد حقيقة لا مجازا "فالإله" في تلك الشعوب هو الدولار وفي الاشتراكية (لا إله والحياة مادة)، ولذا يهتمون بحقوق الإنسان وينبذون حقوق الله وراءهم ظهريا. وقد عذبهم الله بها فبعد أن كانت وسيلة للراحة والهناء أصبحت غاية ينصب في تحصيلها ويشقى بحفظها ويخشى فواتها [تعس عبد الدينار والدرهم] ومن أحب غير الله عذبه الله بذلك الغير. وإن المسلمين الذين تبعوهم فجعلوا الربا مصدرا من مصادر الدخل أو كانوا مدينين لبنوك الربا أو نحوها يشكون من قلة بركة أموالهم رغم كثرة دخولهم.

العقوبة الثالثة: يصنع الربا للمرابي أخلاقيات جديدة كالطمع والأثرة والبخل والتكالب على المال والحرص عليه وتجعله دائماً وأبداً يعيش في ظلام المادة لا ينفك عنها حتى يدركه الموت. بل ويسخرون من حكاية الأديان والأخلاق والمثل والمبادئ، ويحاولون صهر المجتمع بهذه الأخلاق حتى يعيشوا تبعا لهم، وما يفعله كبار التجار والشركات متعددة الجنسيات من التدخل في قضايا التربية والتعليم والإعلام في عصر العولمة عنا ببعيد,كما يظهر تحكم الدول الدائنة الغنية في نظم الدول الفقيرة ومنها الانتخابات وفوز المرشحين الذين يخدمون اتجاهات الدول الغنية ومصالحها.

العقوبة الرابعة: يؤدي النظام الربوي إلى وقوع الدول الضعيفة تحت رحمة الدول الغنية بسبب الاقتراض وهذا ما نشاهده في الواقع الآن حيث تقع الدول المقترضة الفقيرة تحت ذل وسيطرة الدول المقرضة الغنية ويترتب على ذلك استنزاف موارد تلك البلاد الفقيرة واستعمارها. وأغلب الدول النامية تستدين لأجل المشروعات التي لا تدر أرباحا كالمدارس والمستشفيات والطرق والجسور. وعند السداد لا تجد حلا إلا فرض الضرائب المرهقة للشعوب .واسمع إلى الدعوة من الصندوق الدولي ونادي باريس ونادي لندن وغيرها إلى ترشيد الإنفاق حتى درجة الفقر فيحدث ذلك انفصاماً نكداً بين الحاكم والشعب وقد يؤدي إلى الثورات والانقلابات التي ما استفادت منها الشعوب وحكوماتها إلا العلقم في جميع مناحي الحياة.

العقوبة الخامسة: جميع المستهلكين يؤدون ضريبة غير مباشرة للمرابين، فإن أصحاب الصناعات والتجار لا يدفعون فائدة الأموال التي يقترضونها بالربا إلا من جيوب المستهلكين فهم يزيدونها في أثمان السلع الاستهلاكية فيتوزع عبؤها على أهل الأرض لتدخل في جيوب المرابين في النهاية وهذا هو طريقة التضخم، فالربا أكبر أسباب التضخم, وما حصل من أزمة الرهن العقاري في أمريكا وغيرها إلا دليلا صريحا على شر الربا ضرره.

العقوبة السادسة: الربا هو الدافع المباشر لاستثمار المال في الأفلام القذرة والصحافة القذرة والمراقص والملاهي والرقيق الأبيض وسائر الحرف والاتجاهات التي تحطم أخلاق البشرية تحطيما فالمستدين بالربا ليس همه أن ينشئ أنفع المشروعات للبشرية: بل همه أن ينشئ أكثرها ربحا. ولو كان الربح إنما يجيء من استثارة أحط الغرائز وأقذر الميول. وهذا هو المشاهد اليوم في أنحاء الأرض، وسببه الأول هو التعامل الربوي.

العقوبة السابعة: المرابون يستغلون الظروف ومن أهمها الحروب لتحريك رؤوس أموالهم في تدمير الدول المتحاربة.ويحركون معهم شركات صناعة السلاح. فيزيد ثراء الدول الغنية بينما الدول الفقيرة في ثارات جاهلية يهلك شباب تلك البلاد في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

العقوبة الثامنة: أسواق البورصة غالبا ما تكون أسواقا وهمية يتحكم فيها قراصنة المال وكبار المضاربين ومدارها على أسعار الصرف وأسعار الفائدة, مثال :(ضخامة الاقتراض الذي حصل من نمور آسيا, وخاصة الودائع قصيرة الأجل) وكذا دول أمريكا الجنوبية كل هذا بسبب الربا فإنه لما انخفض سعر الفائدة في مناطق المراكز التجارية، انفجرت الكارثة، وبدأت رؤوس الأموال المستثمرة في الهروب إلى مناطق أخرى، فانكشفت البنوك في تلك المنطقة، وترنحت المؤسسات المالية؛ وانخفض سعر العملة، وهبطت أسعار العملات إلى حد أضعف قوتها الشرائية، ثم استمع إلى أصحاب الرأفة والرحمة كيف يعيدون جدولة الديون عند عجز تلك الدول عن السداد. فيأكلون لحمها ويسحقون عظمها ليبتلعوه.

العقوبة التاسعة: البطالة فقد قال كبير الاقتصاديين كينز: بأنه لن يتحقق العلاج الصحيح للبطالة والكساد إلاّ إذا كان سعر الفائدة صفراً، وتتسابق دول العالم الآن لتخفيض سعر الفائدة حتى أنه وصل في بعض الدول العالم إلى 1% سنوياً

العقوبة العاشرة: من صور التضخم صناعة سيولة وهمية لا وجود لها , وتحقيق فوائد عالية بأسلوب يسمونه (خلق نقود الودائع) يعرفه الاقتصاديون.

العقوبة الحادية عشرة: البنوك لا عمل لها إلا الدين فقط, فلا تدفع المال إلى الاستثمار في أوجه منتجة صناعية أو زراعية

العقوبة الثانية عشرة: أن المستدين بالربا ليس همه أن يقيم أنفع المشروعات للناس بل أكثر المشروعات ربحا ولذا توجهوا إلى مستحضرات التجميل ونوادي القمار ومشروعات الخمور والدخان والمقاهي ونحوها

وقد أفتى العلماء بتحريم التعامل مع البنوك الربوية، وتحريم الاكتتاب في أسهمها، والعمل فيها حتى لو في حراسة البنك وأخطرها النوافذ التي تتعلق بالجوانب الربوية، ولنتق الله ولا نكون من الوالغين في الربا فنقيمها حربا مع الديان ملك الملوك جبار السماوات والأرض سبحانه وتعالى فإن الله حسبنا ونعم الوكيل.


التعليقات : 0 تعليق

إضافة تعليق


 

/500

روابط ذات صلة

المقال السابق
المقالات المتشابهة المقال التالي