المقال

:: أدب الخلاف ::

1491 | 17-08-2020

:: أدب الخلاف ::

الاختلاف نوعان:

تنوع وتضاد، والتضاد سائغ محمود - ومذموم غير سائغ.

فالمحمود لا يخالف نصا ولا إجماعا ولا قياسا جليا، وعكسه المذموم ولهما أمثلة:

آداب الخلاف والتعامل معه:

1. إخلاص النية لله تعالى: فينبغي لمن تصدر لدعوة إلى الله ودعوة الناس أن يكون قصده ابتغاء وجه الله والأجر من الله، وليس قصده الرياء والسمعة أو حب الظهور أو الانتصار للنفس أو المجادلة بالباطل، وقد قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}، وحديث: "من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار".

2. الرد عند الاختلاف إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}، فعندما نرجع الاختلاف إلى الكتاب والسنة تضمحل الخلافات بين المسلمين – وعندما يكون الرد إلى الأهواء والعواطف والمصالح الشخصية فإن ذلك سبب لكثرة الاختلافات وانشقاق بين لمسلمين لأنهم حكموا ما لم يؤمر بتحكيمه عند الخلاف.

3. الالتزام وانتقاء أطايب الكلام وترك الألفاظ والكلمات الجارحة قال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}.

4. إحسان الظن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}، أما ما يفعله بعض المحاورين إذا اختلفوا ولم يتفقوا في مسألة من المسائل سارع أحدهم إلى اتهام نية صاحبه وطعن في مقصده وعده من أهل الهوى فهذا مزلق خطير يمليه في أكثر الأحوال التعصب المذموم وتحويل الحوار قبل بدايته إلى تهمة وهو ضرب من ضروب الحصار الفكري على المخالف وقطع كل أبواب التفاهم وقنوات الاتصال وإنهاء للحوار الذي بدأ بين الطرفين.

5. عدم التعصب للرأي والمذهب: والمقصود بالتعصب للرأي والمذهب أن يعتقد الشخص أن الحق معه أو حكر عليه وأن غيره مخطئ فلا يقبل جدالا ولا نقصا ولا تعديلا ولا مجرد إعادة نظر، قال ابن القيم: "وأما المتعصب الذي جعل قول متبوعه عيارًا على الكتاب والسنة وأقوال الصحابة يزنُها به فما وافق قول متبوعه منها قبله وما خالفه رده، فهذا إلى الذم والعقاب أقرب منه إلى الأجر والثواب)، وقال ابن تيمية: (فالواجب على كل مؤمن أن يحب ما أحب الله ورسوله: وأن يبغض ما أبغضه الله ورسوله مما دل عليه في كتابه فلا يجوز لأحد أن يجعل الأصل في الدين لشخص إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقول إلا لكتاب الله عز وجل. ومن نصب شخصا كائنا من كان فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو {من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا} الآية وإذا تفقه الرجل وتأدب بطريقة قوم من المؤمنين مثل: اتباع: الأئمة والمشايخ؛ فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هم العيار فيوالي من وافقهم ويعادي من خالفهم فينبغي للإنسان أن يعود نفسه التفقه الباطن في قلبه والعمل به فهذا زاجر. وكمائن القلوب تظهر عند المحن. وليس لأحد أن يدعو إلى مقالة أو يعتقدها لكونها قول أصحابه ولا يناجز عليها بل لأجل أنها مما أمر الله به ورسوله؛ أو أخبر الله به ورسوله؛ لكون ذلك طاعة لله ورسوله).

6. حسن الاستماع والإنصات إلى قول المخالف وإعطاؤه فرصة للتعبير عن رأيه حتى النهاية فإذا كان رأيه يحتوي على خطأ تمت معالجته والرد عليه بالطريقة المناسبة وبعيدا عن التشنج.

7. قبول الحق ممن قال به كائنا من كان والتنازل عن الرأي إذا لاحت الحجة والمنصف هو الذي يبحث عن الحق، قال ابن تيمية: "والله قد أمرنا ألا نقول عليه إلا الحق، وألا نقول عليه إلا بعلم، وأمرنا بالعدل والقسط، فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني - فضلا عن الرافضي - قولا فيه حق أن نتركه أو نرده كله، بل لا نرد إلا ما فيه من الباطل دون ما فيه من الحق".

8. ترك الجدال والمراء الذي يؤدي للخصومة وحد المراء أو الجدال المذموم أن ينكر الحق الذي ظهرت دلالته ظهورا لا خفاء فيه ويتعصب للباطل الذي ظهرت دلالته ظهورا لا خفاء فيه.

موقف المسلم من الخلاف:

1. إن كان المسلم عاميا لا يحسن النظر في الدليل فإن الواجب في حقه أن يسأل أهل العلم: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، ويسأل من يثق في علمه ودينه.

2. إن كان المسلم على درجة من العلم والفهم بحيث يمكنه فهم الدليل إذا بُيِّن له والنظر في دلالته فها لا يجوز له الأخذ بقول أحد دون أن يعرف دليله وعليه أن يبذل ما يستطيع من النظر في الاختلاف حتى يرجح لديه شيء فإن لم يتمكن نزل نفسه منزلة العامي.

3. المسلم المجتهد يرجح بعد النظر في الأدلة.

تنبيهان:

1) مراعاة المصالح الشرعية عند الإنكار.

2) قال ابن تيمية: "قولهم مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح فإن الإنكار، إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل أما الأول فإذا كان القول يخالف سنة، أو إجماعا قديما وجب إنكاره وفاقا، وإن لم يكن كذلك فإنه ينكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد وهم عامة السلف والفقهاء، وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة، أو إجماع وجب إنكاره أيضا بحسب درجات الإنكار كما ذكرناه من حديث شارب النبيذ المختلف فيه، وكما ينقض حكم الحاكم إذا خالف سنة، وإن كان قد اتبع بعض العلماء.

وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ ينكر على من عمل بها مجتهدا، أو مقلدا، وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد كما اعتقد ذلك طوائف من الناس -والصواب الذي عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوبا ظاهرا، مثل حديث صحيح لا معارض من جنسه فيسوغ له- إذا عدم ذلك فيها - الاجتهاد لتعارض الأدلة المتقاربة. أو لخفاء الأدلة فيها وليس في ذكر كون المسألة قطعية طعن على من خالفها من المجتهدين كسائر المسائل التي اختلف فيها السلف".


التعليقات : 0 تعليق

إضافة تعليق


 

/500

روابط ذات صلة

المقال السابق
المقالات المتشابهة المقال التالي